مساحة إعلانية

» »Unlabelled » جورج إسحق.. لا تبتئس

بقلم د. يحيي الجمل ١٤/٤/٢٠٠٨
توثقت علاقتي بالصديق جورج إسحق في السنوات الأخيرة، واقتربنا من بعضنا في مناسبات عديدة وازدادت هذه العلاقة قبيل وأثناء التفكير في إقامة جبهة وطنية كان يقودها المرحوم الدكتور عزيز صدقي، وكلما قويت علاقتي بجورج إسحق، أحسست بمدي صدق وطنيته،
وعمق حبه لمصر، وشعب مصر، وإيمانه الذي لا يتزعزع بقضية الديمقراطية، وضرورة محاربة الاستبداد والفساد وحرصه غير المفتعل بل الصادق والعميق علي الوحدة الوطنية.
كان جورج إسحق يعطيني إحساسًا كلما قابلته بالحب الشديد لمصر والإيمان بها والعمل من أجل حياة أفضل لأبنائها، كل هذا جعلني أحس بالصدمة عندما علمت بنبأ القبض علي جورج إسحق.
جورج إسحق يقبض عليه!!
وذهلت غير قليل ثم تماسكت نفسي وتساءلت: أي حكمة يمكن أن تكون وراء مثل هذا التصرف الذي لم أكن أعرف في البداية هل هو أمر اعتقال أم أنه أمر قبض من النيابة العامة إلي أن قرأت في صحف اليوم - الجمعة - قبيل كتابة هذا المقال أن أحدهم سأل جورج إسحق: هل أنت ضد التوريث؟ فأجابه: نعم أنا ضد التوريث،
ولو كنت مكانه لأضفت: نعم أنا ضد التوريث، وأنا في هذا أنضم إلي ما يقوله الرئيس حسني مبارك، ويقوله الوريث نجله جمال مبارك، بل يقوله أستاذ القانون الكبير الدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، الذي قال إنه مادام هناك انتخاب فليس هناك توريث.
سلم لسانك وقلمك يا دكتور فتحي.
أنا طبعًا لم أصدق عندما قرأت هذا الخبر في صحافة اليوم أن شيئًا من هذا قد حدث، وأن أحدًا سأل جورج إسحق في محضر رسمي عن موضوع التوريث، قد يكون الأمر دردشة بين جورج وأحد الضباط أو غيرهما ولكن من غير المعقول أن يرد هذا في محضر رسمي يقوم به أحد يفهم مهمته.
وقرأت في صحف أخري - وهو أقرب إلي المعقول - أن التحريات التي قدمتها مباحث أمن الدولة للنيابة العامة تقول إن جورج إسحق - ومن معه - قاموا بتحريض عمال شركة الغزل والنسيج بالمحلة علي الإضراب وحثهم علي التجمهر والقيام بأعمال تخريبية وإتلاف المرافق العامة، ولم يبق أن تقول التحريات إلا أن جورج إسحق حرض أيضًا - بالمرة - علي قلب نظام الحكم.
والذي أستطيع أن أقطع به وأنا أعلم ما أقول وأزنه جيدًا أن جورج إسحق يستحيل أن يحرض علي أعمال تخريبية وعلي إتلاف المرافق العامة.
جورج إسحق من الذين يبنون في مصر ومن الذين يتطلعون إلي أن تتقدم مصر، وهو يبني بالكلمة الصادقة والعمل السياسي الذي يتوجه أساسًا إلي إصلاح الأحوال المعتلة والبائسة التي تعانيها مصر الحبيبة،
قد يري جورج أن الإضراب السلمي من الممكن أن يكون وسيلة ضغط للإصلاح، ولكن المستحيل في تقديري أن يدعو جورج إلي تخريب أو تدمير أو تعطيل، ليس هذا تفكيره ولا منطقه ولا توجهه.
وكنت أتصور بدل اتخاذ هذا القرار بالقبض علي جورج إسحق، والذي أتصور أن وراءه دوافع سياسية أن نفكر في جذور المشكلة التي أدت إلي ما حدث في الأيام الماضية، وأن نبحث لها عن حل علمي سليم.
هل ينكر أحد أن غالبية الشعب المصري تزداد معاناتها يومًا بعد يوم، حتي الأعمي والأصم لا يستطيع أن ينكر ذلك، ومباحث أمن الدولة أول من يدرك هذه الحقيقة، وهل ينكر أحد أن هناك غليانًا عامًا يتزايد يومًا بعد يوم،
وأن ما حدث طوال عام ٢٠٠٧، والشهور التي انقضت من عام ٢٠٠٨ كلها، ينذر بتزايد الاحتقان وكثرة الاعتصامات والإضرابات والمصادمات وأن هذا التصاعد الكمي لابد أن ينقلب إلي بديل نوعي.
قلت مرارًا وتكرارًا إنه ليس في صالح أحد في مصر لا النظام ولا الناس لا الحاكمين ولا المحكومين. إن ترك الإناء يغلي ثم يغلي ينتهي به إلي الانفجار، والانفجار عواقبه وخيمة علي الجميع، أي تفكير علمي لابد أن يدرك ذلك وأن يحاول علاج هذا الوضع المتأزم.
لن يكون هذا العلاج أبدًا بالقبض علي جورج إسحق ولن يكون هذا العلاج أبدًا بالوسائل الأمنية وحدها، إن الوسائل الأمنية ضرورية، ولكنها بيقين ليست كافية.
إذن ما هو الطريق لعلاج ما نحن فيه من احتقان ومن تخلف ومن تدن في كل مرافق الدولة، وأهمها مرفق التعليم، ومرفق الصحة فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية البائسة التي تعيشها أغلبية الشعب المصري.
طريق العلاج ليس ابتكارًا ولا بدعة ولا اختراعًا سنخترعه في مصر دون بلاد العالم.
طريق العلاج يبدأ بجورج إسحق.
طريق العلاج يبدأ بالحرية السياسية الحقيقية وبسيادة القانون ودولة المؤسسات والإيمان بالمنهج العلمي والبحث العلمي.
لن تكون الفهلوة والتصريحات الرنانة ومانشيتات الصحف أبدًا طرقًا لعلاج شيء، وإنما ستكون طريقًا لشيء واحد هو زيادة الهوة وزيادة عدم الثقة بين الحاكمين والمحكومين.
لننظر إلي بلاد كانت خلفنا أو كانت في مستوانا منذ خمسين عامًا، أو منذ عشرين عامًا أين أصبحت الآن وأين أصبحنا.
لن نتحدث عن اليابان التي بدأت بعد أن بدأنا أيام المفتري عليه الخديو إسماعيل.
ولن أتحدث عن الهند التي بدأت معنا في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلي أين وصلت وإلي أين وصلنا، لن أتحدث عن هذين العملاقين فالمقارنة تصبح نوعًا من الخرافة والسخف.
وإنما تعالوا نتحدث عن بلاد أوروبا الشرقية، وتعالوا نتحدث عن ماليزيا وتعالوا أيضًا نتحدث عن جنوب أفريقيا.
جنوب أفريقيا أين هي الآن وأين نحن، من حيث كل شيء، من حيث الاقتصاد ومن حيث التعليم ومن حيث الحريات السياسية.
والطريق واضح وليس هناك طريق غيره: التعددية السياسية الحقيقية، وما يترتب عليها بالضرورة من تداول السلطة، وسيادة القانون، هذه قدم والقدم الأخري هي المنهج العلمي في الحياة ودعم البحث العلمي إلي أبعد الحدود.
هذا هو الطريق ولا طريق غيره.
أخي جورج إسحق عد إلي ابتسامتك ولا تبتئس فكلنا وكل مصر معك.
ملحوظة: والمقال في طريقه إلي «المصري اليوم» علمت أن جورج إسحق، قد أفرج عنه بعشرة آلاف جنيه كفالة، عقبال مصر كلها يارب.

عن المدون نسمة حرية

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :