
بلا عنف ولا مظاهرات، فقط بفلسفة "العصيان المدني"، تلك التي تبناها غاندي في الهند، ومارتن لوثر كنج في أمريكا، وغيرهم وآتت ثمارها .. وقد اختارها بعض المصريين لتوجيه رسالة للمسئولين احتجاجاً على جنون الأسعار .. فما هو العصيان وكيف يحدث؟
ظهر مفهوم العصيان المدني في ظل التقاليد الليبرالية والإنسانية التي سادت الأنظمة الديمقراطية الغربية، حيث كانت الأقليات والفئات المضطهدة تلجأ للعصيان المدني لإسماع صوتها كما امتد ذلك ليشمل الأنظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث والأنظمة الاشتراكية ذات الحزب الواحد.
بدأت أولى عمليات العصيان المدني مع ما قام به سقراط الفيلسوف، فقد كان يتجول في الاسواق، ليسأل الشباب والعامة بعض الأسئلة البديهية الفلسفية، وهذا الامر كان يزعج السلطات فألقت القبض عليه، وأودع السجن بتهمة إخراج الشباب عن طريق الصواب، وهذا الإتهام كانت تصل عقبته في آثينا للإعدام. جرت له محكمة وصدر بحقه عقوبة الموت عن طريق شرب السم، فلم يعترض وتجرع السم بنفسه ضارباً أروع مثال على العصيان المدني ، ولم يحتقر جلاديه، فقد بيّن احترامه للقانون وكان تصرفه هذا بمثابة انتقاد أخلاقي وسياسي موجه للنظام الحاكم.
هنري ثورو أول من ابتكر العصيان
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني، وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" في مقالته الشهيرة "العصيان المدني" الذي نشر عام 1849، وقد كتب تلك المقالة عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب، احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المكسيك، حيث رأى أن الامتناع عن دفع الضرائب كنوع من الاحتجاج، أمر من شأنه إلزام السلطة بتغيير سلوكها ليلائم ما يريده الشعب حقيقة.
ويعتقد الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأعظم في جماعة العصيان المدني أو الذي يشكل بدوره المرحلة الثانية بعد تحرك الشارع في مظاهرات سلمية أمام رموز السلطة الحاكمة بهدف زيادة الضغط على النظام السياسي للتسليم بمطالب الشعب. يقول جون راؤول في كتابه "نظرية العدالة": "ليس من الصعب أن تبرر حالة العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد رأي الأغلبية في المجتمع" ، وكلما ازداد الظلم كلما كان ذلك في صالح حركات العصيان.
ما هو العصيان ؟
العصيان المدني هو ببساطة، أن تعصي القانون وتطيعه في آن واحد، فهو أرقى صور التمرد والمقاومة والرفض والاحتجاج، ولكن بالشكل السلمي المتحضر. ويعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة .. ممارسة العصيان المدني" بأنه: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف، وأنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون، وهدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع. أما النتائج أو التبعات الشخصية المترتبة على العصيان فهي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.
يعتمد العصيان المدني في الأساس على مبدأ اللاعنف، وعدم رفع شعارات مؤيدة أو معارضة، أو لنقل هو العصيان الصامت، كما يعتمد على أن يكون هذا العصيان علنياً وليس في الخفاء.
أما أشكال وصور العصيان المدني فهي متعددة، مثل رفض الموظفين للذهاب إلى دوائر الدولة، والمدارس والجامعات والمصانع والمعاهد، مع إغلاق كل الأسواق والمحلات التجارية والأفران. ومثل امتناع سائقي السيارات العامة والخاصة ومحطات الوقود وسيارات الأجرة في داخل المدن وخارجها، أو أن يخرج المعارضون بشكل جمعي وفي أوقات محددة، لإجبار السلطات الحاكمة على الانصياع لمطالب المحتجين الهادئين، ومثل أن يخرج "المدنيون" وهم يرتدون الثياب السود أو البيض رجالاً ونساءً ولكن بهدوء لا شعارات، ولا صراخ، ولا نداءات معادية، وكالجلوس في الشوارع الكبرى، وعلى أرصفتها، وفي وسطها، ولكن بصمت دون أي فعل، فالاحتجاج اجتماعى قبل أن يكون سياسياً.
العرب والعالم في العصيان تعبير "العصيان المدني" قد يكون غير مألوف لدى الشارع العربى، بل يعتبر البعض أن العرب والعصيان المدني بمثابة معادلة صعبة، ويقول الباحث جميل عودة في عدد دورية "النبأ" 78 أن "هناك من يرى أن اللجوء إلى العصيان المدني في الدول العربية والإسلامية، كأسلوب متطور لانجاز المطالب وتحصيل الحقوق، ما هو إلا ضرب من الخيال، وكلام سفسطة لا معنى له"، فأنت تستطيع أن تتحدث عن العصيان المدني، في دولة مثل أمريكا وكندا وسويسرا، وما شاكلها من دول العالم المتحضر، ولكن لا يمكن أن تتحدث عن مفهوم العصيان المدني، فضلا عن تطبيقه في الدول العربية، إلا إذا كنت مجنوناً؛ لان استخدام الأسلوب اللاعنيف راسخ في الدول التي تكون معاييرها أسس العمل الديمقراطي، وحقوق الإنسان وحرياته، وتحكيم مبادئ العدالة والمساواة الاجتماعيين.وبينما يرى البعض أنه أسلوب متحضر للرفض ، يرى آخرون ، وفقاً لجميل عودة ، أن العصيان المدني هو الطريق الأمثل للمقاومة السلمية، وهو الأسلوب الأسلم والأضمن لتغيير النظام حتى لو كان في دول كالدول العربية.
عصيان غاندي
لقد كان للمهاتما غاندي السبق في إتخاذ العصيان المدني كوسيلة لتحدي القوانين الجائرة؛ متخذاً إسلوب اللاعنف، الهند، وكانت الساتيا جراها هي استراتيجية غاندي في توحيد ملايين الهنود، بإعطاء القدوة في المحبة والتسامح عبر الانقسامات الطائفية؛ ثم حفز أبناء شعبه على مقاطعة البضائع الإنجليزية، وابتكار البدائل البسيطة لتلك البضائع ـ بداية من ملح الطعام إلى المنسوجات والملابس، وكان كل نجاح يحرزه غاندي وحزبه، الذي سماه حزب "المؤتمر"، كلما زاد أنصاره عدداً وتصميماً.
غاندي
وشجعه ذلك على الانتقال من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة خرق القوانين الاستعمارية التي فرضها الاحتلال البريطاني، ومنها قانون منع التظاهر، وفي هذه المرحلة التي درسها غاندي واستعدلها بدقة، وأوقع سلطات الاحتلال في ورطة، فأي قانون لا قيمة له إذا لم ينطوي على عنصر العقاب، وكان التظاهر بالمخالفة للقانون ينطوي على الحبس، ثم السجن في حالة ثبوت "الجريمة"، وفوجئ البريطانيون بعشرات الألوف يتظاهرون، ويقبلون إلقاء القبض عليهم بلا مقاومة، بل والاعتراف بمخالفتهم للقانون، وهو ما يعني إما حبسهم، وهو ما كان مستحيلاً، حيث لا توجد سجون تستوعب هذه الآلاف في كل مدينة هندية، وحتى إذا تم القبض انتقائياً على الزعماء والكوادر، فإن استمرار اتباعهم في التظاهر السلمي وخرق القانون كان يحتم على السلطة لكي تحتفظ بهيبتها أن تلقي القبض على المزيد منهم، وتتكفل طبقاً للمواثيق الدولية، بإعاشتهم وكسائهم، وتقديم الخدمات الطبية لهم، وهو الأمر الذي لم تعمل له بريطانيا حساباً.
أما إذا استخدمت العنف بديلاً للحبس والسجن، ولم يرد المتظاهرون بنفس الأسلوب العنيف، فإن ذلك كان يجعل الجنود الإنجليز بعد فترة يشعرون بالخجل، فيرفضون هم أنفسهم تنفيذ الأوامر باستخدام العنف، وهكذا وجدت سلطات الاحتلال البريطاني في مرحلة من المراحل أن "العصيان" يمتد من صفوف الهنود "المغلوبين" إلى صفوف جنودهم، وبدأ الرأي العام البريطاني نفسه يثور على حكومته، ويضغط عليها للتسليم بمطالب الحركة الوطنية الهندية في الاستقلال، وهو ما كان.
عصيان لوثر كينج
"مارتن لوثر كينج"، في إطار حركته المطالبة بالحقوق المدنية؛ سار على خطا غاندي مبتكرًا أسلوبي المسيرة والجلوس الاحتجاجيين، لخلق موقف متأزم مستحكم يُرغم الحكومات والأنظمة على فتح باب النقاش والتباحث، وقد لجأ الزعيم الأمريكي الزنجي إلى نفس استراتيجية غاندي ـ الساتيا جراها ـ في حركة الحقوق المدنية، والتي نقلت نضال الزنوج الأمريكيين نقلات نوعية غير مسبوقة في غضون عشر سنوات فقط، فانتهت إلى غير رجعة قوانين الفصل العنصري، التي كانت ما تزال سارية في ثلاثة عشر ولاية جنوبية في الولايات المتحدة.
السودان وكأنها بلا شعب
الشعب السوداني قام بإسقاط ديكتاتوريتين عسكريتين، هما نظام اللواء إبراهيم عبود عام 1964، واللواء جعفر نميري عام 1985 بالتظاهر والإضراب الجماعي السلمي عن العمل. فعندما قررت الحركة العالمية الديمقراطية في السودان عام 1964 ممارسة العصيان المدني ضد الحكم العسكري، ونشرت إذاعة الخرطوم أنباء هذا العصيان، واشتراك العاملين في الخرطوم والمراقبين الجويين في الإضراب عن العمل وكان أن أحد المذيعين في إذاعة الخرطوم أعلن أن العاملين بالإذاعة قرروا أيضا المشاركة في الإضرابأ وأنهم سوف يتوقفون فورا عن العمل. بعدها سقط الحكم العسكري في السودان دون طلقة رصاص واحدة فقد أثبت الشعب السوداني قدرته علي تحويل البلاد إلي ساحة خالية من أي حياة، ولم يكن بإمكان هذا النظام أن يواصل الحكم بدون تعاون الشعب.
وأخيراً في مصر
ثورة 1919 ارتبطت بعصيان أيضا
ليس العصيان المدني غريباً أيضاً على تاريخنا المصري فقد بدأت ثورة 1919 فى مصر بالعصيان المدنى لقاطرات السكة الحديد، وخلع الفلاحون القضبان فى الريف. وفي عام 1971 اعتصم الألوف من الطلاب فى ميدان التحرير احتجاجا على استمرار احتلال سيناء منذ 1967 مما كان له الأثر فى اندلاع حرب أكتوبر 1973 للتحرير.
ومؤخراً في مصر جاءت الدعوات من نشطاء بالقيام بعصيان مدني في محاولة لحصول الشعب على حقوقة وكمحاولة لمواجهة جنون إرتفاع الأسعار، وانطلقت الدعاوي بمختلف أشكالها ووسائلها، وشهد موقع «فيس بوك» (Face Book) على الإنترنت استنفارا من نوع آخر قادته مجموعة أطلقت على نفسها اسم "6 ابريل ـ اضراب عام لشعب مصر"، وضمت حتى مساء امس أكثر من 62 ألف عضو مما يدل على مدي تفاعل المصرين مع تلك الدعوات للعصيان المدني.
بين مؤيد ومعارض
قال مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ نصر فريد واصل في حوار بجريدة "العربي" عام 2005 أن التظاهر والعصيان المدني واجب على كل مسلم إذا كان هدفه مصلحة الوطن ، فلدينا قاعدة شرعية تقول لا ضرر ولا ضرار، وهناك قاعدة أخرى تقول ارتكاب أخف الضررين واجب أى إذا كان ترك الأمور وسلبيته وعدم قدرته على تغيير الأمر.من جانبه أكد د. وحيد عبد المجيد الخبير الاستراتيجي ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لـفضائية "العربية " أنها دعوة عشوائية، ولا هدف من ورائها سوى الظهور على الساحة، فالعمل الذي سيقوم به هؤلاء عمل غير محدد ونابع من فكر مشتت وفوضوي، وبلا رؤية سياسية أو حتى اجتماعية". وقال"إن مفهوم العصيان المدني الذي قامت على أساسه فكرة الإضراب العام في هذا اليوم وحملت شعار (خليك في البيت) كانت في غير محلها تماما، وتعبر عن أن من وضعها لا يدرك فعليا ماذا يعني العصيان المدني ولا كيفية القيام به، والدليل على ذلك أنهم يريدون التواجد في الشوارع والقيام بمظاهرات وتجمهرات شعبية في حين أن الدعوة شعارها (خليك في البيت) فمن سينزل الشارع ومن يبقى؟".بعض الشعراء تضامنوا مع العصيان في كتابة الأشعار للدعوة إلي حملة "خليك في بيتك" التي كان من المرتقب أن تتم في 23 يوليو 2007، فكتب الشاعر خالد النشوقاتى:
يامصرى ياللى كتر همكباين عليك مبقاش همكواللى انت عارفه بقى يغمكاسمع بقى خليك فى البيت*****معروف يامصرى بتفانينكعارف كمان مين سارقينكناهبين مصانعك .. فدادينكوحياة شقاكخليك فى البيتتاريخ التحديث :- توقيت جرينتش : الأحد , 6 - 4 - 2008 الساعة : 2:22 مساءًتوقيت مكة المكرمة : الأحد , 6 - 4 - 2008 الساعة : 5:22 مساءً
ظهر مفهوم العصيان المدني في ظل التقاليد الليبرالية والإنسانية التي سادت الأنظمة الديمقراطية الغربية، حيث كانت الأقليات والفئات المضطهدة تلجأ للعصيان المدني لإسماع صوتها كما امتد ذلك ليشمل الأنظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث والأنظمة الاشتراكية ذات الحزب الواحد.
بدأت أولى عمليات العصيان المدني مع ما قام به سقراط الفيلسوف، فقد كان يتجول في الاسواق، ليسأل الشباب والعامة بعض الأسئلة البديهية الفلسفية، وهذا الامر كان يزعج السلطات فألقت القبض عليه، وأودع السجن بتهمة إخراج الشباب عن طريق الصواب، وهذا الإتهام كانت تصل عقبته في آثينا للإعدام. جرت له محكمة وصدر بحقه عقوبة الموت عن طريق شرب السم، فلم يعترض وتجرع السم بنفسه ضارباً أروع مثال على العصيان المدني ، ولم يحتقر جلاديه، فقد بيّن احترامه للقانون وكان تصرفه هذا بمثابة انتقاد أخلاقي وسياسي موجه للنظام الحاكم.
هنري ثورو أول من ابتكر العصيان
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني، وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" في مقالته الشهيرة "العصيان المدني" الذي نشر عام 1849، وقد كتب تلك المقالة عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب، احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المكسيك، حيث رأى أن الامتناع عن دفع الضرائب كنوع من الاحتجاج، أمر من شأنه إلزام السلطة بتغيير سلوكها ليلائم ما يريده الشعب حقيقة.
ويعتقد الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأعظم في جماعة العصيان المدني أو الذي يشكل بدوره المرحلة الثانية بعد تحرك الشارع في مظاهرات سلمية أمام رموز السلطة الحاكمة بهدف زيادة الضغط على النظام السياسي للتسليم بمطالب الشعب. يقول جون راؤول في كتابه "نظرية العدالة": "ليس من الصعب أن تبرر حالة العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد رأي الأغلبية في المجتمع" ، وكلما ازداد الظلم كلما كان ذلك في صالح حركات العصيان.
ما هو العصيان ؟
العصيان المدني هو ببساطة، أن تعصي القانون وتطيعه في آن واحد، فهو أرقى صور التمرد والمقاومة والرفض والاحتجاج، ولكن بالشكل السلمي المتحضر. ويعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة .. ممارسة العصيان المدني" بأنه: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف، وأنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون، وهدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع. أما النتائج أو التبعات الشخصية المترتبة على العصيان فهي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.
يعتمد العصيان المدني في الأساس على مبدأ اللاعنف، وعدم رفع شعارات مؤيدة أو معارضة، أو لنقل هو العصيان الصامت، كما يعتمد على أن يكون هذا العصيان علنياً وليس في الخفاء.
أما أشكال وصور العصيان المدني فهي متعددة، مثل رفض الموظفين للذهاب إلى دوائر الدولة، والمدارس والجامعات والمصانع والمعاهد، مع إغلاق كل الأسواق والمحلات التجارية والأفران. ومثل امتناع سائقي السيارات العامة والخاصة ومحطات الوقود وسيارات الأجرة في داخل المدن وخارجها، أو أن يخرج المعارضون بشكل جمعي وفي أوقات محددة، لإجبار السلطات الحاكمة على الانصياع لمطالب المحتجين الهادئين، ومثل أن يخرج "المدنيون" وهم يرتدون الثياب السود أو البيض رجالاً ونساءً ولكن بهدوء لا شعارات، ولا صراخ، ولا نداءات معادية، وكالجلوس في الشوارع الكبرى، وعلى أرصفتها، وفي وسطها، ولكن بصمت دون أي فعل، فالاحتجاج اجتماعى قبل أن يكون سياسياً.
العرب والعالم في العصيان تعبير "العصيان المدني" قد يكون غير مألوف لدى الشارع العربى، بل يعتبر البعض أن العرب والعصيان المدني بمثابة معادلة صعبة، ويقول الباحث جميل عودة في عدد دورية "النبأ" 78 أن "هناك من يرى أن اللجوء إلى العصيان المدني في الدول العربية والإسلامية، كأسلوب متطور لانجاز المطالب وتحصيل الحقوق، ما هو إلا ضرب من الخيال، وكلام سفسطة لا معنى له"، فأنت تستطيع أن تتحدث عن العصيان المدني، في دولة مثل أمريكا وكندا وسويسرا، وما شاكلها من دول العالم المتحضر، ولكن لا يمكن أن تتحدث عن مفهوم العصيان المدني، فضلا عن تطبيقه في الدول العربية، إلا إذا كنت مجنوناً؛ لان استخدام الأسلوب اللاعنيف راسخ في الدول التي تكون معاييرها أسس العمل الديمقراطي، وحقوق الإنسان وحرياته، وتحكيم مبادئ العدالة والمساواة الاجتماعيين.وبينما يرى البعض أنه أسلوب متحضر للرفض ، يرى آخرون ، وفقاً لجميل عودة ، أن العصيان المدني هو الطريق الأمثل للمقاومة السلمية، وهو الأسلوب الأسلم والأضمن لتغيير النظام حتى لو كان في دول كالدول العربية.
عصيان غاندي
لقد كان للمهاتما غاندي السبق في إتخاذ العصيان المدني كوسيلة لتحدي القوانين الجائرة؛ متخذاً إسلوب اللاعنف، الهند، وكانت الساتيا جراها هي استراتيجية غاندي في توحيد ملايين الهنود، بإعطاء القدوة في المحبة والتسامح عبر الانقسامات الطائفية؛ ثم حفز أبناء شعبه على مقاطعة البضائع الإنجليزية، وابتكار البدائل البسيطة لتلك البضائع ـ بداية من ملح الطعام إلى المنسوجات والملابس، وكان كل نجاح يحرزه غاندي وحزبه، الذي سماه حزب "المؤتمر"، كلما زاد أنصاره عدداً وتصميماً.
غاندي
وشجعه ذلك على الانتقال من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة خرق القوانين الاستعمارية التي فرضها الاحتلال البريطاني، ومنها قانون منع التظاهر، وفي هذه المرحلة التي درسها غاندي واستعدلها بدقة، وأوقع سلطات الاحتلال في ورطة، فأي قانون لا قيمة له إذا لم ينطوي على عنصر العقاب، وكان التظاهر بالمخالفة للقانون ينطوي على الحبس، ثم السجن في حالة ثبوت "الجريمة"، وفوجئ البريطانيون بعشرات الألوف يتظاهرون، ويقبلون إلقاء القبض عليهم بلا مقاومة، بل والاعتراف بمخالفتهم للقانون، وهو ما يعني إما حبسهم، وهو ما كان مستحيلاً، حيث لا توجد سجون تستوعب هذه الآلاف في كل مدينة هندية، وحتى إذا تم القبض انتقائياً على الزعماء والكوادر، فإن استمرار اتباعهم في التظاهر السلمي وخرق القانون كان يحتم على السلطة لكي تحتفظ بهيبتها أن تلقي القبض على المزيد منهم، وتتكفل طبقاً للمواثيق الدولية، بإعاشتهم وكسائهم، وتقديم الخدمات الطبية لهم، وهو الأمر الذي لم تعمل له بريطانيا حساباً.
أما إذا استخدمت العنف بديلاً للحبس والسجن، ولم يرد المتظاهرون بنفس الأسلوب العنيف، فإن ذلك كان يجعل الجنود الإنجليز بعد فترة يشعرون بالخجل، فيرفضون هم أنفسهم تنفيذ الأوامر باستخدام العنف، وهكذا وجدت سلطات الاحتلال البريطاني في مرحلة من المراحل أن "العصيان" يمتد من صفوف الهنود "المغلوبين" إلى صفوف جنودهم، وبدأ الرأي العام البريطاني نفسه يثور على حكومته، ويضغط عليها للتسليم بمطالب الحركة الوطنية الهندية في الاستقلال، وهو ما كان.
عصيان لوثر كينج
"مارتن لوثر كينج"، في إطار حركته المطالبة بالحقوق المدنية؛ سار على خطا غاندي مبتكرًا أسلوبي المسيرة والجلوس الاحتجاجيين، لخلق موقف متأزم مستحكم يُرغم الحكومات والأنظمة على فتح باب النقاش والتباحث، وقد لجأ الزعيم الأمريكي الزنجي إلى نفس استراتيجية غاندي ـ الساتيا جراها ـ في حركة الحقوق المدنية، والتي نقلت نضال الزنوج الأمريكيين نقلات نوعية غير مسبوقة في غضون عشر سنوات فقط، فانتهت إلى غير رجعة قوانين الفصل العنصري، التي كانت ما تزال سارية في ثلاثة عشر ولاية جنوبية في الولايات المتحدة.
السودان وكأنها بلا شعب
الشعب السوداني قام بإسقاط ديكتاتوريتين عسكريتين، هما نظام اللواء إبراهيم عبود عام 1964، واللواء جعفر نميري عام 1985 بالتظاهر والإضراب الجماعي السلمي عن العمل. فعندما قررت الحركة العالمية الديمقراطية في السودان عام 1964 ممارسة العصيان المدني ضد الحكم العسكري، ونشرت إذاعة الخرطوم أنباء هذا العصيان، واشتراك العاملين في الخرطوم والمراقبين الجويين في الإضراب عن العمل وكان أن أحد المذيعين في إذاعة الخرطوم أعلن أن العاملين بالإذاعة قرروا أيضا المشاركة في الإضرابأ وأنهم سوف يتوقفون فورا عن العمل. بعدها سقط الحكم العسكري في السودان دون طلقة رصاص واحدة فقد أثبت الشعب السوداني قدرته علي تحويل البلاد إلي ساحة خالية من أي حياة، ولم يكن بإمكان هذا النظام أن يواصل الحكم بدون تعاون الشعب.
وأخيراً في مصر
ثورة 1919 ارتبطت بعصيان أيضا
ليس العصيان المدني غريباً أيضاً على تاريخنا المصري فقد بدأت ثورة 1919 فى مصر بالعصيان المدنى لقاطرات السكة الحديد، وخلع الفلاحون القضبان فى الريف. وفي عام 1971 اعتصم الألوف من الطلاب فى ميدان التحرير احتجاجا على استمرار احتلال سيناء منذ 1967 مما كان له الأثر فى اندلاع حرب أكتوبر 1973 للتحرير.
ومؤخراً في مصر جاءت الدعوات من نشطاء بالقيام بعصيان مدني في محاولة لحصول الشعب على حقوقة وكمحاولة لمواجهة جنون إرتفاع الأسعار، وانطلقت الدعاوي بمختلف أشكالها ووسائلها، وشهد موقع «فيس بوك» (Face Book) على الإنترنت استنفارا من نوع آخر قادته مجموعة أطلقت على نفسها اسم "6 ابريل ـ اضراب عام لشعب مصر"، وضمت حتى مساء امس أكثر من 62 ألف عضو مما يدل على مدي تفاعل المصرين مع تلك الدعوات للعصيان المدني.
بين مؤيد ومعارض
قال مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ نصر فريد واصل في حوار بجريدة "العربي" عام 2005 أن التظاهر والعصيان المدني واجب على كل مسلم إذا كان هدفه مصلحة الوطن ، فلدينا قاعدة شرعية تقول لا ضرر ولا ضرار، وهناك قاعدة أخرى تقول ارتكاب أخف الضررين واجب أى إذا كان ترك الأمور وسلبيته وعدم قدرته على تغيير الأمر.من جانبه أكد د. وحيد عبد المجيد الخبير الاستراتيجي ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لـفضائية "العربية " أنها دعوة عشوائية، ولا هدف من ورائها سوى الظهور على الساحة، فالعمل الذي سيقوم به هؤلاء عمل غير محدد ونابع من فكر مشتت وفوضوي، وبلا رؤية سياسية أو حتى اجتماعية". وقال"إن مفهوم العصيان المدني الذي قامت على أساسه فكرة الإضراب العام في هذا اليوم وحملت شعار (خليك في البيت) كانت في غير محلها تماما، وتعبر عن أن من وضعها لا يدرك فعليا ماذا يعني العصيان المدني ولا كيفية القيام به، والدليل على ذلك أنهم يريدون التواجد في الشوارع والقيام بمظاهرات وتجمهرات شعبية في حين أن الدعوة شعارها (خليك في البيت) فمن سينزل الشارع ومن يبقى؟".بعض الشعراء تضامنوا مع العصيان في كتابة الأشعار للدعوة إلي حملة "خليك في بيتك" التي كان من المرتقب أن تتم في 23 يوليو 2007، فكتب الشاعر خالد النشوقاتى:
يامصرى ياللى كتر همكباين عليك مبقاش همكواللى انت عارفه بقى يغمكاسمع بقى خليك فى البيت*****معروف يامصرى بتفانينكعارف كمان مين سارقينكناهبين مصانعك .. فدادينكوحياة شقاكخليك فى البيتتاريخ التحديث :- توقيت جرينتش : الأحد , 6 - 4 - 2008 الساعة : 2:22 مساءًتوقيت مكة المكرمة : الأحد , 6 - 4 - 2008 الساعة : 5:22 مساءً

ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق